هذه القصة القصيرة .. كتبتها عندما كنت في لحضة تأمل مع نفسي.......
الثالثة و النصف صباحا مازلت مستيقظا غارقا في أفكاري السوداء ، نظرت إلى الساعة التي كانت تشير إلى الرابعة صباحا ثم حولت نظراتي إلى علبة السجائر الفارغة ، أشعر برغبة شديدة في التدخين هربا من وطأة الأحاسيس الثقيلة التي تجتاح كل خلية في دماغي ... لم أجد بدا من ترك فراشي في هذه الليلة الباردة من ليالي الشتاء الطويلة ، خرجت من غرفتي المعزولة فوق سطح بيتنا القديم ، ورحت أتسكع في ظلمة الشوارع لعلي أجد سيجارة في مكان ما ... كل المقاهي كانت مغلقة وكانت الطرقات المزركشة بالمستنقعات الصغيرة فارغة إلا من الكلاب و القطط الضالة ..كنت وحدي مع حزني وسنوات ضائعة من عمري..
بدون أن أدري قادتني قدماي إلى تلك الحديقة المقابلة لباب المسجد الكبير ، و التي اعتدت الجلوس فيها مع نفسي للأتأمل ما بداخلي ...استغرقت في حالة من التأمل و أنا أتذكر ذلك المشهد الذي أفزعني و أغرقني في مستنقع الخوف من المجهول .. في ماض ليس بالبعيد قرر احدهم الابتعاد رغم علمه بأهميته في حياة شخص ضعيف مثلي ، داهمتني أفكار الموت حينما قرر الذهاب ، لقد ترك وراءه قلبا يحيا ويموت به.أولم يعلم أني أحبه حد الجنون .. ذلك المشهد لا يريد أن ينزاح عن مخيلتي ... راودتني أحاسيس سوداوية وتمنيت لو أشتري حبلا غليظا ألفه حول عنقي .. وبينما أنا غارق في هذه الهلوسات الكئيبة ، ارتفع فجأة صوت رخيم ومنعش أذاب برودة الليل .. اخترق صوت المؤذن أذني و تغلغل إلى داخلي و حرك شيئا راكدا في أعماق أعماقي ... غمرني إحساس دافئ بالأمن و السكينة و الآمل ، آه كم أحتاج للأمل !...
شرع المصلون في التدفق على بيت الله ، و اعتراني خجل بارد ، حين تذكرت أني لم أضع جبهتي على الأرض منذ أيام، تأملت نفسي بمزيج من الغضب والاحتقار.. غادرت الحديقة وعزمت على الرجوع إلى غرفتي المعزولة السوداء ، و أنا في طريقي التقيت بابن الجيران "هود" .. كان طفلا في الحادية عشرة من عمره ، يرتدي جلبابا صوفيا أبيض، و يحمل في يده المصحف ، بادرني بالتحية و هو يبتسم تلك الابتسامة البريئة التي لم تلوثها هموم الحياة بعد ... دعاني لمرافقته إلى المسجد ، شعرت بأني صغير جدا حين اعتذرت له و أكملت سيري.. كنت ألتفت يمينا وشمالا لعلي أجد شخصا يحمل في يده سيجارة ، وأحيانا كنت أنظر إلى الأرض عسى أن ألمح بقايا سيجارة مرمية.. ازدادت لهفتي للتدخين بشدة ، أدفع نصف عمري و أحصل على رشفة واحدة ...
في منتصف الطريق إلى البيت توقفت عن المشي فجأة، ظلت صورة "هود" راسخة في ذهني لا تريد التزحزح ، آه يا رب! .. إني ضائع في ظلام لا ينتهي! ..يا رب خد بيدي! ... بدون تفكير استدرت راجعا في اتجاه المسجد ..تسللت من الباب الجانبي إلى غرفة الوضوء ، كانت قطرات الماء تنهمر على وجهي و تطرد عني آلامي و رغباتي.. وجدت نفسي داخل بيت الله مستندا إلى سارية كبيرة و أنا أنتظر إقامة الصلاة...أريد أن أبكي لعل الدموع تطهرني من يأسي و من حزني .. الله أكبر ! .. سمع الله لمن حمده! .. اجتاحني رعشة دافئة و ترقرق الدمع في عيني ، شعرت كأن قدماي ترتفعان عن الأرض قليلا ..طرت في الملكوت السماوي و نسيت آلامي الثقيلة .. حين سجدت فاضت دموعي على السجاد و شعرت برغبة في البقاء ساجدا إلى أبد الآبدين..
بقلمي(الطائر الحزين)